تبحث العائلات اللبنانية لا سيما مع بدايات الأزمة الإقتصادية عن متنفس لها ولأبنائها، متنفس آمن لجهة الأجواء الملتزمة، وفيها كل المرافق الترفيهية والخدماتية، ومع تصاعد وجنون الدولار بات الدخول إلى أي من تلك المرافق قد يكون حكراً على أصحاب الدخل بالفريش دولار أو ميسوري الحال فقط، وأما محدودي الدخل والعائلات المتعففة قد لا تجد متنفساً يساعدها على عيش بعض من الترفيه الهادف، بسبب غلاء الأسعار، أسعار المأكولات والألعاب والمنتزهات وغير ذلك.
هذه الهموم والهواجس الكبيرة كانت محط تخطيط ودراسة بعناية كبرى من قبل إدارة مدينة الإمام الخميني الكشفية والشبابية التابعة لكشافة الإمام المهدي عليه السلام في بلدة زوطر الشرقية في محافظة النبطية، إذ أن أحد أهدافها هو أن تؤمن مساحة ترفيهية آمنة ومقدور على تكاليفها من قبل أهلنا الأعزاء والمدارس والمؤسسات التربوية والثقافية والرياضية، وأن تكون أبوابها مفتوحة لكل فئات وشرائح المجتمع، والأهم أن تقدم الجديد على المستوى الترفيهي الهادف والتربوي، وكل ما ينمي القدرات الفكرية والذهنية والسلوكية والقيَميَّة.
اليوم ومع بدايات فصل الربيع إفتتحت إدارة المدينة معلماً كبيراً على مستوى مضامينه وأهدافه ومساحاته وأطلقتت عليه "مدينة الحرف".
جلنا بين ربوع هذا المعلم الفريد من نوعه، وعايننا الأطفال والناشئة، والأهالي وطلاب المدارس ووجدنا أنفسنا أننا أمام صرح ترفيهي تربوي تعليمي هادف وجذاب. رافقنا في هذه الجولة مدير المدينة السيد محمد فحص وكان لنا حديث مطول معه حول مدينة الحرف.
سؤالنا الأول كان عن تعريف هذه المدينة"مدينة الحرف" وعن أهدافها وظروف نشأتها، فيجيب السيد فحص أن مدينة الحرف :"هي مدينة متخصصة في الأنشطة والبرامج التعليمية والفنية والحرفية والمهنية، تهدف إلى تعريف المشاركين على مجموعة من الحرف والمهارات الحياتية وتطبيقها، ونحاول من خلالها إكساب الزوار من الأطفال والناشئة العديد من المهارات، والأهم جعلهم ينخرطون في بيئتهم المحيطة على مستوى المهن والحرف التي يرونها، ويتمنى بعضهم أن يخوض في غمارها"، وأما عن فكرة إنشاء هذه المدينة، خاصة في ظل هذه الظروف المالية والإقتصادية الصعبة فيقول السيد محمد فحص :" لم يكن قرار إنشاء وتنفيذ مدينة الحرف بالقرار السهل ولا البسيط، إنما كان نتاج نقاشات واسعة ودراسات معمقة إلى أن توصلنا لأخذ قرار الإنشاء رغماً عن الظروف، التي تصعّب عملية التنفيذ وخاصة مع الأكلاف المرتفعة نسبة للواقع المعيشي الضاغط، ولكن المدينة دائماً تضع أمام أعينها الهدفية في صناعة أيّ محتوى وتنفيذ أيّ مشروع، ولذلك وأمام الحاجة الكبيرة للفتية والفتيات من الناشئة في المدارس والجمعيات الكشفية والأندية المختلفة، كان لا بد من تقديم نموذج فريد من نوعه يدمج ما بين الترفيه والهدفية والتربية، فكانت مدينة الحرف.
نكمل جولتنا وحوارنا مع مدير مدينة الإمام الخميني في زوطر السيد محمد فحص ونحن نشاهد مستوى التفاعل والفرح الذي يعيشه المشاركون في برامج المدينة وفاعلياتها، فسألناه عن الفائدة التي يحصلها الأطفال والناشئة من خلال مشاركتهم في فاعليات وبرامج مدينة الحرف فيقول :" يمكن للمشاركين من الفتية والفتيات أطفالاً وناشئة وبعد أن يتم تقسيمهم إلى مجموعات أن يتعرفوا على عدد من الحرف والمهارات الحياتية المختلفة مثل النجار والمزارع والفرّان ورجل الإطفاء وغيرها الكثير، ولا يكتفي بالتعرف عليها بل يعايشها ويحاكيها ويطبقها بنفسه ليقارب المعرفة بالعمل والتنفيذ"، فنرى الواحد منهم يمسك بخرطوم الإطفاء ويشارك في إطفاء الحريق الصغير المصطنع مع الإطفائي، ونراهم في قسم الفرن يقومون بإعداد العجين ويرقون منقوشتهم ويخبزونها بمواكبة عمو الفران وطبعاً هذه المنقوشة ستكون من نصيب صانعها، ووصولا إلى البنّاء والدّهان والنجّار وغيرهم، وهكذا يتناوب كل واحد منهم على كل الأدوار، فتتفتح أذهانهم ومدركاتهم العقلية على كثير من المهن والحرف المفيدة والمهمة في حياتنا".
وبعد جولة تعريفية بمحتوى ومضمون هذه المدينة أحببنا أن نتعرف على القيم التي يكتسبها زوار مدينة الحرف فيجيب فحص :" تحمل مدينة الحرف إضافة إلى المعرفة والتطبيق مجموعة من القيم أبرزها زرع روح التعاون والجماعة والإيثار وتطبيق النظام وضبط الوقت وتقدير الأهل والترتيب والإعتماد على النفس" كلها مفاهيم وقيم حرصنا على أن نمررها من خلال عمليات التفاعل والتطبيق والتعليم، بقوالب ترفيهية جذابة".
وأشار فحص إلى أن مدينة الحرف تتوجه ببرامجها وفاعلياتها وأنشطتها إلى كافة الأطفال والناشئة وبمرافقة الأهل، ونخص بهذه المدينة المدارس والجمعيات الكشفية والأندية المتنوعة، وهي مستمرة حتى نهاية شهر أيّار الحالي، وقد زارها حتى اليوم أكثر من ألفي(2000) مشارك، كما وأود أن أشير إلى إتاحة فرصة هامة ولمرة واحدة وهي مشاركة الأهل والعموم واصطحاب أولادهم ليكونوا جزءاً من هذا المشروع التربوي والترفيهي إلى مدينة الحرف نهاري السبت والأحد في ١٣ و ١٤ أيار، والسبت والأحد التاليين والواقعين في ٢٠ و ٢١ أيار من الساعة الثالثة بعد الظهر وحتى السادسة عصراً.
وفي الختام شكر السيد محمد فحص مدير مدينة الإمام الخميني (قدس سره) جميع من شارك في إعداد وتنفيذ وإدارة هذا المشروع التربوي الهادف، آملاً أن تحظى المدينة وبرامجها وتقديماتها بثقة روادها من كافة الفئات والأعمار والشرائح في المجتمع، واعداً بأن تقدم المدينة دائما النموذج الأرقى.